فصل: تفسير الآية رقم (106):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (104):

{وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)}
(104)- يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِالجِدِّ فِي قِتَالِ الأَعْدَاءِ، وَفِي طَلَبِهِمْ وَيُنَبِّهُهُمْ إلى أَنَّهُمْ إنْ كَانَتْ تُصِيبُهُمْ جِرَاحٌ، وَيَأْلَمُونَ مِنْهَا، فَإِنَّ أَعْدَاءَهُمْ تُصِيبُهُمْ أَيْضاً جِرَاحٌ، وَيَأْلَمُونَ مِنْهَا. وَالفَارِقُ الوَحِيدُ بَيْنَ المُؤْمِنِ وَالكَافِرِ أنَّ المُؤْمِنَ يَنْتَظِرُ مِنَ اللهِ المَثُوبَةَ وَالأَجْرَ، وَالنَّصْرَ وَالتَّأيِيدَ، وَإِعْلاءَ كَلِمَةِ اللهِ، التِي وَعَدَهُ اللهُ بِهَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ، وَالكَافِرِ لا يَنْتَظِرُ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، وَاللهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ فِيمَا يَفْرِضُهُ وَيُقَدِّرُهُ.
لا تَهِنُوا- لا تَضْعُفُوا وَلا تَتَوَانَوْا.

.تفسير الآية رقم (105):

{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)}
{الكتاب} {أَرَاكَ} {لِّلْخَآئِنِينَ}
(105)- نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ بَنِي أُبيْرِق، كَانَ فِي غَزْوَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَرَقَ لأنْصَارِيٍّ آخَرَ دِرْعاً، فَاتَّهَمَهُ صَاحِبُ الدِّرْعِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ، فَعَمَدَ السَّارِقُ إلى الدِّرْعِ فَأَخْفَاهَا فِي بَيْتِ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ، وَقَالَ لِقَوْمِهِ ذَلِكَ. فَذَهَبُوا إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَطْلُبُونَ مِنْهُ أَنْ يَعْذِرَ صَاحِبَهُمْ، وَيُجَادِلَ عَنْهُ أَمَامَ النَّاسِ، فَقَامَ الرَّسُولُ فَبَرَّأهُ، وَعَذَرَهُ عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ، وَقَالَ النَّبِيُّ لأَصْحَابِ الدِّرْعِ إنَّهُمْ عَمَدُوا إلى رَجُلٍ مُسْلِمٍ، أَهْلِ تُقىً وَصَلاحٍ فَاتَّهَمُوهُ بِالسَّرِقَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ، وَالآيَاتِ التِي بَعْدَهَا. فَأَمَرَ الرَّسُولُ بِالدِّرْعِ فَأُتي بِهَا فَرَدَّهَا إلى صَاحِبِهَا، وَهَرَبَ السَّارِقُ فَلَحِقَ بِالمُشْرِكِينَ فِي مَكَّةَ.
وَيَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ الكَرِيمِ إنّهُ أَنْزَلَ القُرْآنَ عَلَيهِ بِتَحْقِيقِ الحَقِّ وَبَيَانِهِ، لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَعْلَمَهُ اللهُ بِهِ مِنَ الأَحْكَامِ، فَعَلَيهِ أنْ لا يُنصِّبَ نَفْسَهُ مُدَافِعاً عَنِ الخَائِنِينَ تِجَاهَ مَنْ يُطَالِبُونَهُمْ بِحُقُوقِهِمْ مِنْهُمْ.
خَصِيماً- مُخَاصِماً وَمُدَافِعاً عَنْهُمْ.

.تفسير الآية رقم (106):

{وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106)}
(106)- يَأْمُرُ اللهُ تُعُالُى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَسْتَغْفِرَ اللهَ لِنَفْسِهِ مِمَّا قَالَهُ لأَصْحَابِ الدِّرْعِ مِنْ أَنَّهُمْ عَمَدُوا إلى رَجُلٍ مُسْلِمٍ، أَهْلَ تُقىً وَوَرَعٍ وَصَلاحٍ، فَاتَّهَمُوهُ بِالسَّرِقَةِ، وَاللهُ تَعَالَى كَثيرُ الغُفْرَانِ لِمَنِ اسْتَغْفَرَهُ، كَثِيرُ الرَّحْمَةِ لِعِبَادِهِ التَّائِبِينَ.

.تفسير الآية رقم (107):

{وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107)}
{تُجَادِلْ}
(107)- هَذَا الخِطَابُ وُجِّهَ إلَى النَّبِيِّ، وَهُوَ أَعْدَلُ النَّاسِ، وَأَكْمَلُهُمْ، مُبَالَغَةً فَي التَّحْذِيرِ مِنْ خِلَّةِ التَّأثُّرِ بِأَصْحَابِ الحُجَجِ القَوِيَّةِ، التِي يَقَعُ فِيها كَثيرُ مِنَ الحُكَّامِ. وَسَمَّى اللهُ تَعَالَى خِيَانَةَ الإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ خِيَانَةً لِنَفْسِهِ، لأنَّ ضَرَرَهَا عَائِدٌ عَلَيهِ.
(وَالمَقْصُودُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ هُمْ سَارِقُ الدِّرْعِ وَذَوُوهُ الذِينَ أَعَانُوهُ لأنَّهُمْ شُرَكَاءُ لَهُ فِي الإِثْمِ وَالخِيَانَةِ).
وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ الكَرِيمِ: لا تُدَافِعْ عَنْ هَؤُلاءِ الخَوَنَةِ، وَلا تُسَاعِدْهُمْ عِنْدَ التَّخَاصُمِ، لأنَّهُ تَعَالَى يَكْرَهُ مَنِ اعْتَادَ الخِيَانَةَ (مَنْ كَانَ خَوّاناً)، وَأَلِفَتْ نَفْسُهُ اجْتِرَاحَ السَّيِّئَاتِ، وَلَمْ يَعُدْ لِلْعِقَابِ الإِلهي فِي نَفْسِهِ رَهْبَةٌ وَلا خَشْيَةٌ تَجْعَلانِ مِثْلَهُ يُفَكِّرَ فِيهِ.
يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ- يَخُونُونَهَا بِارْتِكَابِ المَعَاصِي.

.تفسير الآية رقم (108):

{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)}
(108)- ثُمَّ يُبَيِّنُ اللهُ أَحْوَالِ هَؤُلاءِ الخَائِنِينَ، وَيَنْعَى عَلَيهِمْ أَفْعَالَهُمْ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى إنَّ مِنْ شَأْنِ هَؤُلاءِ الخَائِنِينَ أَنَّهُمْ يَسْتَتِرُونَ مِنَ النَّاسِ عِنْدَ اجْتِرَاحِ السَّيِّئاتِ وَالآثَامِ، إمَّا حَيَاءً، وَإمَّا خَوْفاً مِنَ العِقَابِ، وَلا يَسْتَخُفُونَ مِنَ اللهِ، وَلا يَسْتَتِرُونَ مِنْهُ بِتَرْكِ ارْتِكَابِهَا، لِضَعْفِ إِيْمَانِهِمْ، لأنَّ الإِيمَانَ يَمْنَعُ مِنَ الإِصْرَارِ، وَمِنْ تِكْرَارِ الذَنْبِ، فَمَنْ يَعْلَمُ أنَّ اللهَ يَرَاهُ فِي حَالِكِ الظُّلْمَةِ، لا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ الذَنْبَ حَيَاءً مِنَ اللهِ. وَيَقُولُ تَعَالَى إنَّهُ مُشَاهِدُهُمْ حِينَ يَتَّفِقُونَ لَيْلاً عَلَى مَا لا يُرْضِي اللهُ مِنَ القَوْلِ تَبْرِئَةً لأَنْفُسِهِمْ، وَرَمْياً لِغَيْرِهِمْ بِجَرِيمَتِهِمْ، وَاللهُ حَافِظٌ لأعْمَالِهِمْ (مُحِيطاً) لا يَعْزُبُ عَنْ عَمَلِهِ مِثْقَالَ ذَرَةٍ فِي السَّمَاءِ وَلا فِي الأَرْضِ، فَلا سَبِيلَ إلى نَجَاتِهِمْ مِنْ عِقَابِهِ.
يُبَيِّتُونَ- يُدَبِّرُونَ بِلَيْلٍ.

.تفسير الآية رقم (109):

{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109)}
{هَا أَنْتُمْ} {جَادَلْتُمْ} {الحياة} {يُجَادِلُ} {القيامة}
(109)- لَقَدْ جَادَلْتُمْ عَنِ السَّارِقِينَ، وَحَاوَلْتُمْ تَبْرِئَتَهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَمَنْ يُجَادِلُ اللهُ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَوْمَ يَكُونُ الخَصْمُ وَالحَاكِمُ هُوَ اللهُ، المُحِيطُ بِأَعْمَالِهِمْ، وَأَحْوَالِهِمْ، وَأَحْوَالِ الخَلْقِ كَافَّةً، فَعَلَى المُؤْمِنِينَ أَنْ يُرَاقِبُوا اللهَ، وَلا يَظُنُّوا أنَّ مَنْ أَمْكَنَهُ الفَوْزُ بِالحُكْمِ لَهُ مِنْ قُضَاةِ الدُّنْيا بِغَيرِ حَقٍّ، يُمْكِنُ أنْ يَظْفَرَ بِهِ فِي الآخِرَةِ.
وَكِيلاً- حَافِظاً أَوْ مُحَامِياً مِنْ بَأسِ اللهِ.

.تفسير الآية رقم (110):

{وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)}
(110)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِعَفْوِهِ وَحِلْمِهِ وَكَرَمِهِ، وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، فَمَنْ أَذْنَبَ ذَنْباً صَغِيراً كَانَ أَوْ كَبِيراً، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللهُ، فِإِنَّهُ يَجِدُ عِنَدَ اللهِ المَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ، وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُ كَبيرةً.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُذْنِبُ ذَنْباً ثُمَّ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَينِ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللهَ لِذَلِكَ الذَّنْبِ إلا غَفَرَ لَهُ».

.تفسير الآية رقم (111):

{وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111)}
(111)- ثُمَّ حَذَّرَ اللهُ تَعَالَى مَنْ فَعَلَ الذُّنُوبَ وَالآثَامِ، وَذَكَرَ عَظِيمَ ضَرَرهَا، فَقَالَ: لا يُغْنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ شَيْئاً. وَمِنْ فَضْلِ اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ وَرَحْمَتِهِ أَنَّهُ وَضَعَ لِلْنَّاسِ الشَّرَائِعَ، وَبَيَّنَ لَهُمُ الحُدُودَ، وَوَضَعَ لِلْحُدُودِ عِقَاباً يُنْزِلُهُ بِمَنْ يَتَجَاوَزُها، أَوْ يَعْفُو عَنْهُ تَفَضُّلاً وَتَكَرُّماً.

.تفسير الآية رقم (112):

{وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112)}
{بَرِيئاً} {بُهْتَاناً}
(112)- وَالذِينَ يَرْتَكِبُونَ الجُرْمَ وَيَرْمُونَ بِهِ بَرِيئاً، كَمَا فَعَلَ بَنُو أبَيْرِق، الذِينَ سَرَقُوا الدِّرْعَ، وَاتَّهَمُوا الرَّجُلَ اليَهُودِيَّ البَرِيءَ بِهَا، فَإنَّهُمْ يَرْتَكِبُونَ إِثْماً عَظِيماً وَاضِحاً، إذْ حَمَّلُوا أَنْفُسَهُمْ وِزْرَ البُهْتَانِ بِافْتِرائِهِمْ عَلَى إِنسانٍ بَريءٍ، مَعَ وِزْرِ الجُرْمِ الذِي ارْتَكَبُوهُ.

.تفسير الآية رقم (113):

{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)}
{طَّآئِفَةٌ} {الكتاب}
(113)- لَقَدْ حَاوَلَ أَصْحَابُ بَنِي أَبَيْرق تَبْرِئَةَ صَاحِبِهِمْ مِنْ سَرِقَةِ الدِّرْعِ، وَعَزَوْا إليهِ الصَّلاحَ والتُّقَى، وَلامُوا صَاحِبَ الدِّرْعِ لاتِّهَامِهِ قَوْماً صُلَحَاءَ، وَهُمْ بِذَلِكَ إنَّمَا كَانُوا يُرِيدُونَ أنْ يُضِلُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَكَشَفَ لَهُ حَقِيقَةَ مَا وَقَعَ. وَهُؤلاءِ الذِينَ حَاوَلُوا تَضْلِيلَ رَسُولِ اللهِ، إِنَّمَا يُضِلُّونَ أَنْفُسَهُمْ، فَقَدْ عَصَمَ اللهُ رَسُولَهُ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِي الخَطَأ، وَأَيَّدَهُ بِفَضْلِهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيهِ القُرْآنَ (الكِتَابَ) وَالحِكْمَةَ (وَقِيلَ أنَّ مَعْنَى الحِكْمَةِ هُنَا مَا تَضَمَّنَتْهُ سُنَّةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم) وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ قَبْلِ نُزُولِ الوَحْي عَلَيهِ، وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَظِيماً عَلَى رَسُولِهِ الكَرِيمِ.

.تفسير الآية رقم (114):

{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)}
{نَّجْوَاهُمْ} {إِصْلاحٍ} {مَرْضَاتِ}
(114)- لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِمَا يَتَنَاجَى بِهِ هَؤُلاءِ الذِينَ يُسِرُّونَ الحَدِيثَ، مِنْ جَمَاعَةِ ابْنِ أَبَيْرق، الذِينَ أَرَادُوا مُسَاعَدَتَهُ عَلَى اتِّهَامِ اليَهُودِيِّ وَبَهْتِهِ، وَمَنْ مَاثَلَهُمْ مِنَ النَّاسِ، وَلَنْ يَكُونَ الخَيْرُ فِي نَجْوَى النَّاسِ، إلا إذَا تَنَاوَلَتْ أحَاديثُهُمْ ذِكْرَ اللهِ، أَوْ أَمْراً بِصَدَقَةٍ، أَوْ أَمْراً بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيّاً عَنْ مُنْكَرٍ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه: «كَلامُ ابْنِ آدَمَ كُلُّهُ عَلَيهِ لا لَهُ إلا ذِكْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيٌّ عَنْ مُنْكَرٍ»، أَوْ سَعْياً فِي إِصْلاحِ ذَاتِ البَيْنِ بَيْنَ أنَاسٍ مُخْتَلِفِينَ مُتَخَاصِمِينَ. وَمَنْ يَفُعْلْ هَذِهِ الأَعْمَالَ الثَّلاثَةَ، ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَرْضَاتِهِ لا يَبْغِي ثَوَابَ ذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِ اللهِ، فَسَوْفَ يُثِيبُهُ اللهُ ثَوَاباً جَزِيلاً كَثِيراً.
النَّجْوَى- المَسَارَّةُ فِي الحَدِيثِ. وَالنَّجْوَى مَظنَّةُ الشَّرِّ، لأنَّ عَادَةَ النَّاسِ جَرَتْ بِحُبِّ إظَهَارِ الخَيْرِ، وَالتَّحَدُّثِ فِيهِ، وَلأَنَّ الإِثْمَ وَالشَّرَّ هُمَا اللذَانِ يُذْكَرانِ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى.

.تفسير الآية رقم (115):

{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)}
(115)- مَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم بِارْتِدَادِهِ عَنِ الإِسْلامِ، وَإِظْهَارِ العَدَاوَةِ لَهُ، وَمَنْ يَسْلُكْ غَيْرَ طَرِيقِ الشَّرِيعَةِ التِي جَاءَ بِهَا الرَّسُولُ، فَصَارَ فِي شِقٍّ، وَالشَّرْعُ فِي شِقٍّ آخَرَ، وَذَلِكَ عَنْ عَمَدٍ مِنْهُ، بَعْدَمَا ظَهَرَ لَهُ الحَقُّ، وَتَبَيَّنَ لَهُ الرُّشْدُ، وَمَنْ يَتَّبعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ، التِي قَامَ عَلَيْهَا إِجْمَاعُ الأُمَّةِ المُسْلِمَةِ (وَإِجْمَاعِ الأُمَّةِ دَلِيلٌ عَلَى العِصْمَةِ مِنَ الخَطَأ)، جَازَاهُ اللهُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يُحَسِّنَ لَهُ أَفْعَالَهُ فِي صَدْرِهِ، وَيُزَيِّنَهَا لَهُ اسْتِدْارَجاً لَهُ، وَيَجْعَلَ مَصِيرَهُ فِي جَهَنَّمَ، يَصْطَلِي بِلَظَاهَا، وَسَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمَصِيراً.
يُشَاقِقِ- يُخَالِفِ.
نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى- نُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ.
نُصْلِهِ جَهَنَّمَ- نُدْخِلْهُ فِيهَا فَيُشْوَى فِيهَا.

.تفسير الآية رقم (116):

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)}
{ضَلالاً}
(116)- إنَّ اللهَ تَعَالَى لا يَغْفِرُ ذَنْبَ مَنْ يُشْرِكُ مَعَهُ فِي العِبَادَةِ سِوَاهُ، أمَّا مَا دُونَ ذَلِكَ مِنَ الذُّنُوبِ فَإنَّ اللهَ قَدْ يَغْفِرُهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ؛ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ شَيْئاً فَقَدْ سَلَكَ غَيْرَ طَرِيقِ الحَقِّ، وَضَلَّ عَنِ الهُدَى، وَابْتَعَدَ عَنِ الصَّوَابِ، وَأهْلَكَ نَفْسَهُ، وَخَسِرَهَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

.تفسير الآية رقم (117):

{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117)}
{إِنَاثاً} {شَيْطَاناً}
(117)- إنَّ الكَافِرِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَاناً صَوَّرُوهَا، وَقَالُوا إِنَّهَا تُشْبِهُ المَلائِكَةَ التِي زَعَمُوا أَنَّها بَنَاتُ اللهِ، لِذَلِكَ عَبَدُوهَا، وَسَمّوهَا بِأَسْمَاءِ الإِنَاثِ (مِثْلِ اللاتِ وَالعُزَّى وَمَنَاةَ..) وَالذِي أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ هُوَ الشَّيْطَانُ، وَهُوَ الذِي حَسَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَزَيَّنَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ، فَكَانَتْ طَاعَتُهُمْ لَهُ عِبَادَةً.
مَريداً- مُتَمَرّداً وَمُتَجَرِّداً مِنَ الخَيْرِ.
إِنَاثاً- أَصْنَاماً يُزَيِّنُونَهَا كَالنِّسَاءِ.